languageFrançais

التجارة على فيسبوك: نشاط عشوائي يهدّد الإقتصاد المنظّم

التجارة على فيسبوك: نشاط عشوائي يهدّد الإقتصاد المنظّم

"ابقوا محميين طلباتكم تصلكم حد المنزل"! بهذه العبارة انطلقت عمليات البيع عن بعد عبر صفحات التواصل الاجتماعي زمن ارتفاع وتيرة انتشار فيروس كورونا بالبلاد، ما يعرف بالفرنسية ب vente en ligne أو البيع عن بعد "تجارة الكترونية" انتشرت انتشارا واسعا في مجتمعنا زمن الحظر الصحي الشامل وتواصلت الى غاية اليوم.


يجمع عدد ممن استفسرناهم في هذا التقرير أن عمليات البيع عن بعد لا تمت للتجارة الالكترونية بصلة وإن ارتكزت على مواقع التواصل ومواقع الكترونية، فمؤسسة البريد التونسي مثلا لا يمكنها تقديم معطى حول عدد الطرود المسلمة في اطار نشاط تجاري اذ أكد مسؤولان بالمؤسسة أن المعاملات المالية لمؤسسة البريد التونسي تطورت زمن الكوفيد بنسبة الضعف تقريبا أي بين سنة 2019 وسنة 2020 لكن لا يمكن معرفة  الحصة المتأتية من نقل الطرود التجارية لأن مصالح المؤسسة لا تفتح هذه الطرود احتراما لمبدأ سرية المراسلة كما أن المؤسسة لا تتعامل مع باعث الطرود وفق هويته التجارية بل تتعامل مع مرسل ومرسل اليه بقطع النظر عن الصفة المهنية.

ارتفاع حالات الغش والتحيل

وعمليات البيع والشراء تلك كان يمكن أن تيسّر حياة الناس فعلا وتنعكس ايجابا ونموا على اقتصاد الدولة وضمان تطور حركة الاستهلاك بيعا وشراء خاصة أنها تزامنت مع اجراءات صارمة للحجر الصحي الشامل اقتضى غلق المحلات  ومنع التنقل بين المدن وفرض التقليص في عدد العملة ومن عدد ساعات العمل، إلا أن الواقع يكشف تطورا في عمليات الغش والتحيل ونزيف مستمر للعملة النقدية وهو ما سنتبيّنه في هذا التقرير نقطة بنقطة.


بخصوص عمليات التحيل يقول عدد من المستجوبين أن معظم عمليات الشراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا عبر صفحات ناشطة على الفايسبوك جعلتهم عرضة للتحيّل بتلقيهم منتجا عكس ما أعلن عنه إما أقل جودة أو مختلف تماما أو تالف، نعم بعضهم يقتني منتجا فيصله منتج آخر وعند محاولة تبليغ الصفحة عن هذا "الخطأ" غالبا ما تكون الاجابة الحظر / بلوك  ما يصعب على المتضرر عملية تتبع البائع لغياب عنوان واضح.


هذه النقطة يؤكدها عمار ضية رئيس المنظمة الوطنية للدفاع عن المستهلك في تصريح لموزاييك  قائلا إن المنظمة تلقت عديد الشكاوي والتبليغات بشأن تعرض مواطنين لعمليات تحيّل اثر اقتناء منتوج عبر البيع عن بعد. وواصل ضية القول إن معظم المشتكين ممن اتصلوا بالمنظمة أكدوا تعذر تتبع البائع لعدم وجود عناوين أو سجلات تجارية فمعظم تلك الصفحات تضع رقم هاتف فقط للتواصل !


والمفارقة وفق ضية أن الحريف يوافق على مد البائع بكافة معطياته الشخصية من عنوان ورقم هاتف ولا يفكر لحظة في طلب نفس البيانات من البائع. وهنا يحمل ضية الحريف مسؤولية المشاركة في وقوع التحيل عليه ويقول إن حريفا واع بحقوقه لا يمكن أن يقع في شرك الزيف والتحيّل عبر سوق الفايسبوك".


ووفق ضية فإن الحل لتجاوز عمليات الغش ومقاومتها يتطلب أساسا العمل على مزيد توعية المواطن وخاصة الشباب منهم، فمعطيات المنظمة تؤكد أنها الفئة الأكثر إقبالا على الشراء عبر "سوق الفايسبوك".


 وأكد ضية أن المنظمة الوطنية للدفاع عن المستهلك  تسعى لتطوير عملها من رصد شكاوى الى العمل ميدانيا على التحسيس والتوعية والتدخل قضائيا متى استوجب الأمر ذلك.


وكشف ضية أن عمليات التوعية ستنطلق في قادم الأيام عبر ندوات دراسية بالشراكة مع كلية الحقوق والمعهد العالي للتجارة والنقابة الوطنية للصحفيين. وفي تصريحه أكد ضية على وجوب تدخل الدولة لتنظيم  قطاع البيع والشراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي لضمان استمرارية المنظومة التجارية وتطويرها بالتوازي مع حماية المستهلك وهو ما  يستوجب وضع كراس شروط ضمانا لشفافية ونزاهة المعاملات.  

سوق الفايسبوك الموازي يهدد الاقتصاد المنظم

إيمان الحامدي صحفية مختصة في الشأن الاقتصادي تقول ان عمليات البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطورت زمن الكوفيد بشكل لافت اعتمادا على منصات التواصل الاجتماعي لتصبح سلاحا  ذو حدين بسبب عدم تنظمه وغياب آليات تقنينه.


وتلفت الحامدي الى أنه من الاجحاف  سحب نشاط البيع عبر منصات التواصل الاجتماعي على نشاط اقتصادي مقنن كالتجارة الالكترونية لأنه يهدد الاقتصاد المنظم باعتبار أن تجار منصات التواصل الاجتماعي يبيعون دون فاتورات ولا يدفعون ضرائب للدولة تماما مثل باعة الأسواق الشعبية.

وتواصل الحامدي القول هؤلاء الباعة عبر منصات التواصل الاجتماعي يساهمون في خلق مواطن شغل وموارد رزق نعم لكنهم يشكلون تهديدا ويخلقون ضررا لشركات منتظمة في قطاع التجارة الالكترونية ولباعة المحلات التجارية التي تدفع ايجارا وتدفع معاليم جبائية للدولة،  فضلا عن أن الاقتصاد المنظم يوفر مواطن شغل مهيكلة وغير هشة وفق الحامدي، ما يستوجب حمايته ودعمه.


 وتشير الحامدي إلى أن التحيل وارد وان كان بنسبة ضئيلة ويبقى الضرر الأكبر الحاصل من نشاط البيع عبر منصات التواصل الاجتماعي هو عدم قدرة الدولة على تحصيل موارد جبائية منه  الى أن القانون المنظم للتجارة الالكترونية المؤرخ في  9 أوت من سنة 2000  لم يواكب هذا التطور الرقمي في نشاط البيوعات اختصارا للمسافة بين الحريف والبائع بتوفير خدمة التوصيل المنزلي عبر شركات شحن محلية .


وترى الحامدي أن العمل على تعزيز عامل الثقة بين البائع والمشتري يقتضي من الدولة  توفير ضمانات تبين هوية البائع وسن قانون يحمي البائع والمشتري على حد سواء وهو ما لا يوفره قانون التجارة الالكترونية لسنة 2000 الذي لم يواكب تطور قطاع البيع رغم أن وزارة التجارة أعلنت في وقت سابق اشتغالها على تحيينه لمكافحة الاقتصاد الموازي المنتصب على وسائل التواصل الاجتماعي بدل الأسواق الشعبية.


في ذات السياق يلاحظ عبد الرزاق حواص المتحدث باسم الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة تطور عمليات البيع والشراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي في المجالين المنظم وغير المنظم دون أن نسجل تطورا في معاملات الدولة باتجاه تقنين هذا المجال لدرجة تسجيل عجز واضح في احتواء الاقتصاد الالكتروني الموازي  رغم عديد الاجراءات التي سنتها في مختلف قوانين المالية.


ويعلل حواص قوله بأن "القوانين البالية التي لا تواكب القفزة النوعية في مجال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تشجع على تنامي النشاط المخرب للاقتصاد التونسي. ووفق حواص فإن عددا من الشركات المنتظمة في مجال التجارة الالكترونية من المؤسسات الصغرى والمتوسطة تسجل ضررا بالغا من هذا النشاط الموازي على صفحات التواصل الاجتماعي الذي يفتح باب التهرب الضريبي ويفلت من رقابة مداخيله خلافا للقطاع المنتظم ما جعل عددا من أصحاب المؤسسات القانونية يلجؤون للنشاط الموازي لتمويل نشاطهم القانوني وفق قول حواص.

وزارة التجارة : 80 بالمائة من الدفوعات خارج مجال مراقبة الدولة

من جهته قال مصدر مسؤول بوزارة التجارة لموزاييك إن  القانون المنظم للتجارة الالكترونية  عدد 83 المؤرخ في 9 أوت 2000 لا غبار عليه وفق قوله وهو واضح إن تم تطبيقه كما يجب من قبل هياكل الدولة كافة من مالية وجباية وديوانة وتجارة وفق قوله.

ويستدرك مصدرنا الذي طلب عدم ذكر اسمه ليقول : " للأسف هياكل الدولة تعمل بمنأى عن أسس التشاركية والتكامل وهو ما تسبب في إحداث فوضى في عدة قطاعات مثل موضوع الحال، التجارة الالكترونية الموازية والمنتصبة عشوائيا على وسائل التواصل الاجتماعي".

ويواصل محدثنا القول : الأصل في الأشياء أن يعمل باعة التوصيل عبر كراس شروط منظم وفق ما نصت عليه مجلة البريد في 2007  لكن هؤلاء الباعة يعملون على توصيل بضاعتهم عبر شركات شحن محلية خاصة وهذا اشكال آخر ذلك أن هاته الشركات لم تنتظم بعد في هيكل مقنن رغم كثافة انتشارها وعددها تجاوز المائة وفق آخر الاحصائيات .


وعلى غرار ما دعت اليه منظمة الدفاع عن المستهلك يقول المسؤول بوزارة التجارة إن "المستهلك يتحمل مسؤوليته كاملة ان تعرض للتحيل فكيف يقبل أن يقتني بضاعة من بائع دون هوية تجارية لا سجل تجاري ولا عنوان قار ويستلم البضاعة عبر وسيط آخر هو شركة الشحن والتوزيع التي تسلمه الطرد وتستلم المقابل المالي معلنة ألا شأن لها بمحتوى الطرد ولا تتحمل أية مسؤلية وعلاوة على ذلك لا تسلمه وصلا مؤرخا ولا فاتورة بالبضاعة، إذا الحريف الذي يقبل بهذه المعاملة دون المطالبة بضمانات حقيقية يتحمل مسؤولية تعرضه للتحيل  عندما يقبل بعملية شراء وتسليم من قبيل (قطوس في شكارة)".

ويصف مصدرنا ظاهرة التحيل المنتشرة عبر البيع بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي ب "الارهاب الاقتصادي" الذي كان يمكن مكافحته بصفته جريمة الكترونية إن تظافرت جهود هياكل الدولة لتقنين هذا القطاع أو لتطبيق القانون عدد 83 لسنة 2000.


ودعا مصدرنا الحكومة الى ضرورة وضع ملف البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي على طاولة مجلس وزاري لتقنينه ومراقبته وسن كراس شروط تحمي البائع والمشتري وتحمي مداخيل الدولة المهدورة هباء منذ ما يزيد عن السنتين على أدنى تقدير.


 ويضيف: "يمكن للدولة التونسية أن تستأنس بالتجربة المصرية في هذا المجال التي بادرت منذ أشهر قليلة، بإنشاء وحدة متخصصة في التجارة الالكترونية صلب مصلحة الضرائب بمصر وأقرت إلزامية التصريح الضريبي لممارسي نشاط تجاري بصفة الكترونية (صانعي محتوى أو ألعاب أو باعة ).

جدير بالذكر أن وزارة التجارة أعدت دراسة  تقييمية حول مؤشرات التجارة الالكترونية أواخر سنة 2021 أحصت فيها  عدد مواقع الواب المنخرطة بمنظومات الدفع الالكتروني بلغ عددها 1436 موقع واب تجاري وخدماتي مسجلة نقصا  ب 34 بالمائة مقارنة بسنة 2020 .

كما رصدت الدراسة تطور عدد المعاملات الالكترونية بنسبة 54 بالمائة من سنة 2020 الى سنة 2021 باحتساب أكثر من 9 مليون و973 ألف معاملة الكترونية.


وتكشف هذه الدراسة أن نسبة 80 بالمائة من المعاملات تتم من خلال الدفع نقدا عند التسليم عبر الشركات الناشطة في مجال نقل الطرود، أي أن 80 بالمائة من الدفوعات هي خارج مجال مراقبة واستفادة الدولة منها وفق نص الدراسة التي ترصد هذا الاخلال في الفقرة التالية:

"  تتعامل هذه الشركات الناشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع أشخاص ليس لها في أغلب الأحيان وجود قانوني وهو ما يساهم في انتشار التجارة الموازية على الخط علاوة على غياب أسطول  خاص بالشركة حيث يتم الاقتصار على سائق  وسيارة قصد تلبية طلبات المواطنين وهو ما يؤثر سلبا على جودة الخدمات . تساهم هذه الشركات في تطور الدفع نقدا عن التسليم  عوضا عن استعمال مواقع التجارة الكترونية لمنظومات الدفع الالكتروني  وهو ما يتعارض مع مشروع إلغاء التعامل نقدا وعدم القدرة على متابعة حجم وقيمة المبادلات التجارية".


وتذهب الدراسة الصادرة عن احدى مصالح وزارة التجارة الى أن استفحال ظاهرة البيع عبر منصات التواصل الاجتماعي دون احترام التشريع الجاري به العمل هو أمر يهدد السيادة الرقمية للدولة ويمس من شفافية ونزاهة المعاملات التجارية على الخط.


سهام عمار